دفء العلاقات الذي يحفظ روح حمص
عندما تتحدث مع أهل حمص، تكتشف أن الروابط الاجتماعية ليست مجرد إطار شكلي، بل هي شبكة أمان عاطفية تمتد بين الجيران، الأصدقاء، وأبناء الحي الواحد. هذه الروابط هي التي تصنع القصص التي تشبه روح المدينة: صادقة، بسيطة، وإنسانية للغاية
واحدة من هذه القصص هي قصة الشاب “مجد”، الطالب الجامعي الذي يعمل مساءً في مقهى صغير ليساعد أسرته. رغم ضغط الدراسة والعمل، يحتفظ بابتسامة تُشعر الزبائن بأن المكان بيتٌ إضافي لهم. يحكي أن أجمل ما في عمله هو سماع قصص رواد المقهى: رجل يعود لتذكر شبابه، امرأة تنتظر اتصالًا من ابن يعمل خارج البلاد، شباب يدرسون لساعات طويلة… كل طاولة تحمل قصة مختلفة، لكنه يشعر أن كل القصص تشترك بشيء واحد: الحنين
وفي حي الأرمن، تعيش “أم نادر”، المرأة التي تُعرف بقدرتها على حل الخلافات بين الجيران. تقول إن “سرّ الموضوع” هو الاستماع. حين يحدث سوء تفاهم، تجمع الجارتين أو الجارين، تقدم القهوة، وتبدأ “الجلسة”. دون وعظ أو إقناع، تستمع فقط… ثم يجد الجميع أنفسهم يبتسمون ويصالحون. تضحك وهي تقول: “القهوة بتصلّح كل شي”
تتكرر القصص في أحياء الزهراء، النازحين، العباسية، الإنشاءات، وفي كل مكان يعيش فيه أهل المدينة. قصص دعم، تضامن، مساعدة، وحب حقيقي للحياة رغم الظروف
وهناك قصة “أبو داني”، صاحب المكتبة القديمة في الحديقة العامة، الذي يحفظ وجوه طلاب المدينة منذ عشرين عاماً. يقول إنه يرى أبناء الطلبة الذين كان يخدمهم صغاراً. يروي قصصهم بفخر، وكأنه يتحدث عن أولاده: هذا صار طبيبًا، تلك أصبحت مهندسة، هؤلاء تزوجوا… المكتبة بالنسبة له ليست محلاً فقط، بل سجل حياة لأجيال
هذه القصص ليست مجرد حكايات لطيفة؛ إنها تعكس حقيقة عميقة: أن الإنسانية اليومية، بكل تفاصيلها الصغيرة، هي ما يحفظ روح المدينة من التلاشي. وأن أهل حمص، رغم مصاعب السنوات الماضية، حافظوا على شيء نادر… دفء العلاقات
ففي كل مرة تُروى فيها قصة صغيرة من الحياة، يُضاف سطر جديد إلى الرواية الكبيرة للمدينة. رواية مليئة بالناس الذين يشبهون الأرض التي يعيشون عليها: ثابتين، صادقين، وقادرين على صنع معنى حقيقي من أبسط التفاصيل
Leave a Reply
Your email address will not be published. Required fields are marked *





